دروسٌ من الأردن: فائدة النفَس العميق على الصحة العقلية
شهدت الحياة في مخيم الزعتري – وهو موطني في الأردن – تغيرًا جذريًا بسبب فيروس كورونا. قبل تفشي هذا الوباء العالمي، كانت الطرقات الترابية تعجّ بالأطفال وتصدح بالأحاديث عند كل ناصية، أما اليوم فوحده السكون يخيّم على المكان. وباتت فكرة زيارة الأصدقاء أو الذهاب إلى السوق – التي كانت تبعث فيّ النشاط منذ فترة غير بعيدة – مصحوبةً بتشنّج في المعدة وتعرّق في الكفّين وصعوبة في التنفس. وهذه إشاراتٌ تعلّمتُ أن ألاحظها للمرة الأولى منذ سبع سنوات.
في العام 2013، انتقلتُ ووالديّ إلى مخيم الزعتري بسبب الحرب في سوريا. فانسلختُ، عن عمر الرابعة عشر، عن المنزل الذي قضيتُ فيه طفولتي، وعن إخوتي الكبار، وعن أصدقائي، واجتاحتني آنذاك زوبعةٌ من الأحاسيس التي لم أختبرها من قبل، أحاسيس لم أجد لها اسمًا أو صفة ولم أعرف كيف أتعامل معها. لماذا هذا الضيق المتواصل في صدري؟ ما مصدره؟ ولماذا لم يختفِ حين أصبحتُ بأمان؟
وجدتُ في العلم الإجابات التي كنت أبحث عنها. وجدتها في كتاب بعنوان “الدليل الميداني لعلم النفس غير المتخصص” (The Field Guide For Barefoot Psychology). يروي هذا الدليل قصة شقيقَين، إسراء وأحمد، نزحا من منزلهما بسبب الحرب، ويكشف في الوقت نفسه كيف أثّرت تلك التجارب على جسمَيهما وعقلَيهما. مع أن إسراء كانت تكبرني سنًّا في القصة عندما بدأت الحرب، تعرّفتُ عند القراءة إلى الكثير من المشاعر التي كانت تنتابها. وكم كانت مفاجأتي كبيرة حين أدركتُ أن الأحاسيس التي راودتني لم تكن حكرًا على تجربتي إنما هي أحاسيس شائعة لدى الكثير ممّن اضطروا إلى مغادرة بيوتهم بحثًا عن الأمان. لقد كان جسمي يعطيني إشارات، وكان لكل شعور أو سلوك تفسيرٌ علمي وتمرين أمارسه للتحكم به.
عند اختبار حالة من الضغط، نميل إلى إبقاء النفس الذي نشهقه داخل صدرنا لأن العضلات الرئيسية المسؤولة عن التنفس تنقبض ردًا على حسٍّ بالتهديد. أما التنفس من البطن فيبعث إشارة إلى الدماغ ليُعلمه أنه باستطاعة العقل والجسم الارتياح والتخلّي عن حالة التوتر الحادة. أعلم أن ما أقوله يبدو ساذجًا أو بسيطًا، ولكن النَّفس/التنفس قد يكون أعظم أصدقائنا عند محاولة تهدئة الجسم – والعقل.
وها أنا اليوم أجد نفسي مرةً أخرى أتأقلم مع واقعٍ جديد. فالأردن يطبّق بعضًا من أكثر تدابير الحظر تشددًا. وحتى خلال رمضان الذي يحفل باللقاءات الاجتماعية أكثر من أي شهر آخر في السنة بالنسبة للمسلمين، لم أتمكّن من زيارة الأقارب والأصدقاء. أصبحتُ مضطرة للعمل عن بُعد. تمرّ الأيام في الوحدة، وأشعر في صدري بالتشنج نفسه الذي اختبرته حين كنت أتأقلم مع الحياة في مخيم الزعتري. وكلما انتابني هذا الشعور، ذكّرتُ نفسي أنني لستُ الوحيدة التي تمرّ بهذه التجربة، وأعود إلى التمارين التي ساعدتني في الماضي على التحكم بالإشارات التي يرسلها إليّ جسمي. في خضم هذه الفترة العصيبة التي يسودها الشك، أجسامنا قادرة أن تصبح مصدر يقين. فتنفّسوا!