سلسلة “تحت المجهر: مقدمة إلى بداية جديدة”

سلسلة “تحت المجهر: مقدمة إلى بداية جديدة”

Haya Halaw

سلسلة “تحت المجهر: مقدمة إلى بداية جديدة” (Through the Magnifying Glass: An Introduction to a New Beginning)

تعتمد هذه السلسلة على الرواية بصيغة المتكلم بهدف التصدي لوصمة العار التي تلازم المسائل ذات الصلة بالصحة العقلية. فعبر استخدام النمط السردي المدعّم بالرسوم، سنحاول تحديد علامات الضائقة النفسية، وسنلقي نظرة فاحصة على مواقفنا الشخصية تجاه الصحة العقلية.

جلستُ في إحدى الليالي في حديقتنا، وبيدي فنجان عملاق من شاي البابونج، أداعب القطة وأتنفّس ببطء. لقد كان يومًا محمومًا شاقًا، فأنا بالكاد نجوت من نوبة قلق.

قبل سنتين شُخّصت باضطراب القلق المعمم واضطراب الهلع، وبالتالي تمرّ علي أيام مثل هذا اليوم بشكل معتاد. منذ سنوات وأنا أقاوم فكرة استشارة أخصائي في الصحة العقلية، وذلك ليس لغياب العوارض – فلديّ الكثير منها – بل لأن أفراد عائلتي وأصدقائي قالوا لي إنني أضخم الأمور، وإنني حساسة ومرهفة للغاية، أو كما يقولون عادة: إنها “مرحلة وتمر”. استمريت في مقاومتي تلك حتى تفاقمت حالتي وباتت تحول دون قيامي بأبسط النشاطات العادية.

لقد شعرت بالوحدة القاسية وبالانفصال، ووددت لو يشاركني الآخرون قصتي لأزيح هذا الهمّ عن صدري. لم أكن أرغب بأن أعاني بصمت، لكن الأخرين لطالما أسكتوني لدرجة أنني لم أكن أتوقع أن تكون هذه المحاولة أفضل من سابقاتها.

يوم آخر عصيب حلّ عليّ بعد الكثير الكثير من الأيام العصيبة، وغدا التعبير عن كل ذلك حاجة ملحة. كفنانة (لا يزال إطلاق هذه التسمية على نفسي أمرًا غريبًا بالنسبة لي!)، أعتقد أن أفضل تفريج عن النفس هو دائمًا إفراغ كل مشاعرك في قوالب ذات أشكال وألوان ورموز. وبالطبع، حتى تلك الآونة، هذا ما كنت أعمد إلى القيام به بغية التأقلم مع الأمر.

لكنني لم أعد أرغب في ترميز حالتي المرضية أو مجرد تفادي المشكلة من دون مواجهتها!

انتابتني رغبة بأن أفاتح بهذا الأمر وأن أتعامل معه مباشرة، وبات البحث عن أفضل وسيلة لفعل ذلك أولوية لي. لطالما احتلت الصحة العقلية مكانتها في المناقشات، لكنني وجدت أن المنصات والمواقع التي تتناول هذا الموضوع في المنطقة العربية لا زالت ضئيلة جدًا.

منذ عقود تعاني منطقتنا الكثير من الحروب والأزمات الإنسانية. وعانت شعوبنا الكثير من الصدمات وما خلفته من آثار نفسية، لكننا لا زلنا نخجل من المفاتحة بالأمر، والأهم، نخجل من طلب المساعدة.

في العام 2019، حظيت بفرصة العمل على الدليل الميداني للتثقيف النفسي، وهو أداة للرعاية الذاتية مخصصة للاجئين تنقسم إلى جزئين. الجزء الأول عبارة عن قصة ترافق عائلة عند هروبها من الحرب في سوريا، وهي بلدي. هذه القصة مستوحاة من العديد من القصص الواقعية التي عاشها الكثير من الأشخاص الذين يسكنون في مخيمات اللاجئين في الأردن؛ وهي قصص عملت على تجسيدها في رسوماتي باندفاع وحماسة. أما الجزء الثاني من الدليل فيتضمن تفسيرًا علميًا يفصّل كيف يتفاعل كلّ من الجسم والدماغ مع الأحداث الصادمة، وكيف يتكيّف كل منهما مع المسائل ذات الصلة بالصحة العقلية. بالطبع كان هذا المشروع مثاليًا بالنسبة لي. فهو لم يتناول موضوعًا حساسًا في المنطقة وحسب، بما في ذلك المرض العقلي والتجارب الصادمة، بل إنه صاب الهدف أيضًا، بالمعنيين الحرفي والمجازي.

كان موضوع الحرب، والحرب بحدّ ذاتها، من أهم مسببات الإثارة لي، ولذا كان إعداد رسومات حول هذا الموضوع أمرًا في غاية الأهمية لدي. ولحسن الحظ أنني تمتعت بحرية إبداعية مطلقة؛ إذ وثق فريق العمل برؤيتي وأنصت إلى آرائي.

سأكمل على مدى الأشهر القادمة ما بدأته مع الدليل الميداني، وذلك عبر استخدام هذه المساحة لمشاركة الآخرين تجربتي بالعيش مع القلق الحاد، وسأنظر في المفاهيم والرؤى والأفكار ذات الصلة بالصحة العقلية، الإيجابية منها والسلبية – من دون أي أفكار مبتذلة، وهذا وعد. وآمل أن تجدوا في هذه التجارب بعضًا من تجاربكم، كما آمل أن تجدوا بعضًا من الراحة عندما تدركون أن الكثير من هذه الصعوبات لا تواجهنا على الصعيد الفردي وحسب، إنما هي عبارة عن ردة فعل مشتركة لدينا جميعًا تنتج عن المحاولات التي يبذلها الدماغ ليُبقينا على قيد الحياة.

إذًا، مرحبا. أنا هيا، رسامة/وفنانة سورية أعمل لحسابي الخاص، ومقر إقامتي في عمّان في الأردن. أحب الكلاب، وأنا متشائمة، ومجرد فتاة عادية وقلقة. يمكنكم قراءة أفكاري مجددًا على هذه الصفحات.

 

هيا حلاو هي رسامة/وفنانة وُلدت وترعرعت في سوريا، ومقر إقامتها في عمّان في الأردن. أنتجت 15 كتابًا للأطفال منذ انطلاقة مسيرتها المهنية وعملت في العديد من المجلات والصحف. يتناول عملها بشكل خاص مواضيع الكآبة (السودواية)، والخسارة، ومروحة واسعة من المشاعر الإنسانية التي حظيت باهتمامها بشكلٍ خاص إثر هروبها من الحرب في بلدها الأم. 

Related Posts